استحقاقات تذوب على درب الفراغ الشامل

تعكس سائر التقارير الواردة والأحداث أن شيئاً ما يتم الاعداد له سواء كان ذلك من جانب المعارضة أم من جانب الموالاة أم من جانب القوى الاقليمية المعنية في الأزمة اللبنانية. فالتصاريح الانفعالية والتهديدات المتبادلة وأخبار الاستعدادات العسكرية وتدفق البوارج العسكرية والاستنفارات والمناورات العسكرية الاحتياطية تداركاً من حرب مفتعلة وتدفق التجهيزات العسكرية تحسباً لتلك الحرب، والتسلح الداخلي، والتوتيرات الداخلية وآخرها ضمن منطقة الشوف، فضلاً عن الدعوة التي وجهت من قبل الولايات المتحدة الأميركية الى الدكتور سمير جعجع والتحذيرات التي أطلقتها المعارضة من مغبة اقدام فريق الموالاة على اتخاذ خطوة منفردة بما تعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، والخطة الأميركية التي أفصح عنها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني حول اعتزام أميركا تشديد العقوبات على سوريا بتهمة عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، والتهديدات المتبادلة بين حزب الله واسرائيل في أعقاب اغتيال القائد العسكري في الحزب عماد مغنيه، وتحليق الطيران الاسرائيلي المعادي فوق مناطق عدة لبنانية، كلها توحي بأن الربيع المقبل والصيف الآتي بعده لن يمرا على سلام اذ ان منطقة الشرق الأوسط تغدو على فوهة بركان وهي تنتظر الشرارة الأولى كي تتوسع دائرة الاقتتال الذي لن يقتصر على منطقة لبنانية فحسب بل ربما تعدى لبنان الى خارج الحدود خاصة اذا ما تخطت الصواريخ المتبادلة أم القصف بالطيران الحربي دوائر جغرافية خارج اطار الأمكنة التي استهدفت خلال حرب تموز من العام 2006. وفي حين يبقى القادة والزعماء اللبنانيون أطرافاً لا يتمتعون بفاعلية التحرك والمناورة والارادة المطلقة أسوة بما يتمتع به زعماء دول القرار الاقليمية والدولية، فان بعض المسؤوليات تلقى على هؤلاء وان بنسب متفاوتة طالما أن بعض المواقف التي اتخذوها والتي اعتبرت جذرية في الصراع الدائر بين المعارضة والموالاة تسبب بصب الزيت على النار، وهنا يجدر التوقف عند بعض المسائل التي لا يمكن أن يكون للخارج تأثيراً مباشراً عليها كمسألة التآم الفعاليات والقادة المسيحيين في بكركي للتداول في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وقضية فتح باب المجلس النيابي أمام نواب الأمة لمناقشة الأوضاع ومحاولة التوصل الى قواسم مشتركة لحل الأزمة العالقة، والشروع في اعداد مشروع قانون انتخابي توافقي يهيىء الأرضية الصالحة لانتخابات العام 2009؟ العد العكسي للاستحقاق النيابي قد بدأ، واننا على بعد قوسين منه فيما يبدو أن اليأس من اجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان قد بلغ الذروة في ظل تأجيل متكرر ومنظم يهدد بلا شك الكيان اللبناني والوفاق الداخلي بين الطوائف سيما وأن الصرخات بدأت تتعالى حول مسألة استحقاق داهم من نوع آخر وهو احالة قائد الجيش الحالي العماد ميشال سليمان الى التقاعد ليحل مكانه رئيس الأركان، وهو لا ينتمي الى الطوائف المسيحية مما سوف يجعل المسيحيين ولا سيما منهم الموارنة مجردين من المراكز التي أنيطت بهم عرفاً وعلى رأسها رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، فيما يجمع المراقبون على أن الاستحقاقات المتتالية قد بدت اليوم وكأنها في سلة واحدة تتشابك بفعل التجاذبات السياسية على حساب فراغ ينمو ويغزو المؤسسات الدستورية والادارات وهو بات يهدد الكيان برمته على حساب الدويلات الطائفية ومشاريع الكانتونات والجزر الأمنية التي ترفضها الشريحة الكبرى من اللبنانيين. المقعد اللبناني في القمة العربية قد يبقى شاغراً في ظل التوجه الحكومي المرجح لمقاطعتها أملاً في ايصال رسالة لسائر الدول العربية المشاركة بأن الفراغ الرئاسي خطر على الكيان فيما ايفاد وفدين واحد معارض وآخر موال سيشكل صورة سيئة ومشهداً مخزياً يعكس وضع لبنان التقسيم والشرذمة ومناف للتضامن والوحدة والانصهار. فمن فشل منع التجديد للرئيس اميل لحود في زمن الوصاية، الى فشل اسقاطه في الشارع، الى فشل اسقاط الحكومة في الشارع، الى فشل انتخاب خلف للحود في سدة الرئاسة، الى فشل متعمد الآن في وضع قانون انتخابي عادل يؤمن تمثيلاً صحيحاً لشرائح المجتمع اللبناني، مما سوف يخلق فراغاً مروعاً على مستوى المجلس النيابي المقبل، وبين الرد والرد على الرد، لبنان يتلاشى ومؤسساته تنهار، والسيطرة على المرافق العامة والادارات الرسمية تضعف شيئاً فشيئاً لتعمَ مكانها الفوضى والانهيار، ولربما نصل الى يوم لن يبقى لنا رئيس للجمهورية ولا حكومة ولا مجلس نيابي، مما سيهدد لقمة عيش المواطن اذ أن مقومات استمرار الدولة ترتكز أساساً على عناصر مؤسساتية وادارية ان هلكت وتلاشت، كان العدم لنعود الى سيطرة أنظمة ميليشياوية تؤمن حمايات ذاتية جغرافية وسلطة مستقلة بذاتها تفرض بواسطتها نفوذها على المواطنين أسوة بما شهدناه خلال الحرب المدمرة في لبنان. من يتحمل مسؤولية الفوضى والخراب والدمار والتسيَب، وهل باستطاعة من يتبجح بالسيطرة والتحكم بالوضع الحالي والاستمرار الى ما شاء الله تحمل تبعات ونتائج الخراب الآتي بحال بقيت الحالة على ما هي عليه، لعلَه سؤال يطرحه أكثر من محلل سياسي، ولربما كان لسان حال شعب خطفه البعض الى مكان آخر، فجعل منه متراساً لأهوائه ومصالحه وحقل تجارب خدمة لسياسات الآخرين.
	بقلم المحامي لوسيان عون