جدل النظام الأكثري وتحدّي النظام النسبي

جدل النظام الأكثري وتحدّي النظام النسبي

رفيق خوري (الأنوار)

قانون الانتخاب كان ولا يزال أساس اللعبة في النظام. لا فقط في الاطار الطائفي والمذهبي للحصص في السلطة بل أيضاً في الاطار الذي يحفظ نسل التركيبة السياسية التي تتقاسم الحصص. وما يفعله اللاعبون، بصرف النظر عن تلوين الخطاب لدى معظمهم، هو السهر على حراسة النظام وناديه المغلق عليهم، بدل البحث في تطوير النظام وفتح باب النادي واسعاً. وهو بالتالي الحرص على اعادة انتاج الطبقة السياسية نفسها، ومعها الأزمات المتعددة والمتعاقبة، وان تبدّلت المواقع بين من هم في السلطة ومن هم في المعارضة. ومن الطبيعي ان تختلف الآراء حول قانون الانتخاب، ولو في ظلّ الفراغ الرئاسي والمجلس النيابي المعطّل دوره، وسط تفاقم الأزمة البنيوية في النظام والأزمة السياسية الحادة على سطحها والمفتوحة على صراع اقليمي ودولي. لكن من غير الطبيعي ان تدور الخلافات حول أي ماضٍ نعود اليه، لا أي مستقبل نمشي نحوه: قانون العام 1960 أم قانون العام 2000? فلكل منهما عيوبه وثغراته وظروفه. والفارق بينهما هو نسبة التبدّل في مواقع التمثيل، مع الاستمرار في انتاج التركيبة السياسية نفسها، كما في أزمة النظام. ذلك ان حراس النظام وأزماته لم يصلوا، وان اقترح بعضهم، الى الجرأة على اختراق الحاجز الذي اسمه الانتخاب بالنظام الأكثري. فهم كانوا منذ الاستقلال ولا يزالون حتى اليوم يدورون حول حجم الدوائر الانتخابية: أقضية، محافظات، ومن القضاء الى ما تحت أو الى ما فوق. وهم يحاذرون في النهاية الاقتراب من الانتخاب بالنظام النسبي خوفاً من التغيير الجدّي. حتى النموذج المختلط بين النظامين الأكثري والنسبي والذي عملت عليه لجنة من الخبراء برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس وهو واحد من آخر الحكماء في لبنان، فانه بقي في الأدراج. لا مجلس الوزراء الذي عيّن اللجنة درس المشروع وعدّله أو أقرّه. ولا البرلمان بادر إلى درسه واقراره باقتراح نيابي. والحجة المعلنة هي بالطبع ظروف الأزمة وشلل المؤسسات.

والكل يعرف ان القانون العصري الذي يضمن التمثيل الشعبي الصحيح والسليم ليس لغزاً ولا يجوز ان يبقى مجرد شعار. فلا لبنان فريد من نوعه في العالم. ولا التجارب في العالم قابلة للتطبيق في كل بلد باستثناء الوطن الصغير. وهي عموما على نوعين: أما دائرة فردية أو صغيرة في النظام الأكثري، واما دائرة كبيرة في النظام النسبي.
والخيار محدد، اذا أردنا اعادة تكوين السلطة لبناء دولة، لا اعادة انتاج التركيبة السياسية والأزمات. لكن المشكلة ان الذين يتحكّمون بالخيار ليسوا جميعاً على استعداد لتقديم المصلحة الوطنية على مصالحهم الفئوية