منصور بوداغر

فيما لبنان يغرق في مزيد من التوتر والتجاذب السياسي والانهيار الاقتصادي والمعيشي، لاحت في الأفق... بارجة أميركية.
"كول"، و"أخواتها" في الاسطول المرافق لها، في المياه الدولية، قبالة المياه اللبنانية، على بعد 65 كيلومتراً من الشواطىء اللبنانية، فيما لا تزال سوريا وايران تصطادان في الماء العكر، وتسعيان الى تحويل لبنان مستنقع فوضى.
انها المرة الرابعة التي ترسل فيها الولايات المتحدة سفناً حربية للتأثير على الوضع اللبناني. في العام 2005 حرّكت أميركا قطعا من أسطولها السادس المنتشر في منطقة البحر المتوسط كإشارة الى جديّة مطالبتها النظام السوري بالانسحاب من لبنان، وهو ما تحقّق بعد فترة وجيزة. وفي المرتين السابقتين، العامين 1958 و1983، تدخلت السفن الأميركية مباشرة، وكان لها دور...على الأرض. أما اليوم، فحتى الآن، الأمر يقتصر على "رسالة من فوق الماء" (على وزن قصيدة نزار قباني "رسالة من تحت الماء").
وفي رأي الخبير في القضايا العسكريّة الاستراتيجيّة العميد المتقاعد وهبة قاطيشا أنّ إرسال سفينة حربيّة إلى قُبالة الشاطئ اللبناني هو "رسالة تنبيه". ويقول: "عند فشل الدبلوماسيّة تنتقل الدول تدريجيا إلى التصعيد العسكري، فالحرب هي تكملة للدبلوماسيّة، ولكنّ ذلك لا يعني أنّ الحرب على الابواب، فالامور تبدأ برسائل وإنذارات مماثلة قد يستتبعها شيء ما على المدى البعيد، وهذا هو معنى إرسال المدمّرة "يو أس أس كول" في هذه الظروف. فعلى الرغم من وجود أزمات مزمنة، تقف المنطقة بأكملها اليوم على برميل بارود، ولبنان فيها الاقرب إلى الانفجار، لا سيّما بعد فشل المبادرة الاوروبيّة والحوار الوطني الداخلي، كما أنّ المبادرة العربيّة على وشك الفشل، فالوقت يدهمها ولم يبق أمامها سوى شهر قبل انعقاد القمّة العربيّة".
وبحسب قاطيشا، فان "المقارنة بين ما قامت به قطع من الاسطول الاميركي العام 1983 في لبنان والتحرّك اليوم، لا يستقيم. فالظروف كانت مختلفة تماما، لسببين: من ناحية أولى كان ثمة جباران يتصارعان على أرض لبنان، أي الكتلة الشرقيّة والكتلة الغربيّة، ومن ناحية ثانية لم تكن الاسرة الدوليّة ملتزمة استقلال لبنان وسيادته كما هي الحال اليوم. فاليوم لدينا دولتان تزرعان الفوضى في لبنان هما سوريا وإيران، في حين أنّ كل العالم يقف ضدّهما، سواء الدول العربيّة أو الاقليميّة الاسلاميّة والاتّحاد الاوروبي والامم المتّحدة وحتى روسيّا صرّحت في الايّام السابقة أنّ المعارضة تعيق إيجاد حل لمسألة الرئاسة اللبنانيّة. فهذان النظامان معزولان ومعهما "حزب الله" في مواجهة كل العالم. لهذه الاسباب يختلف التحرّك العسكري الاميركي في هذا الوقت عن أحداث عام 1983 كليّا، والرسالة أقوى بكثير وتتمتّع بغطاء دولي. فكل الدول ترى أنّ النظام السوري يمنع انتخاب رئيس للجمهوريّة وأنّ ذلك سينعكس سلبا عليه".
وعن اعتبار البعض أنّ مجيء هذه السفينة لا يعدو كونه دعما للحكومة، يرى قاطيشا أنّ "هذا الامر هو دعم للبنان وليس للحكومة، كون الاسرة الدوليّة التزمت سيادة لبنان وإعادة الاستقلال إلى هذا البلد وتأمين استقراره".
وعن الارتباط بين قرارات الولايات المتّحدة تجميد أرصدة رجال أعمال سوريين وإرسال البارجة الحربيّة، يقول قاطيشا إنّ "هذه القرارات تأتي في إطار عام واحد، فتجميد الارصدة عبارة عن رسائل معنويّة تشير إلى تحريم التعامل مع قادة وأتباع نظام ما والتشهير فيهم ومنع الدول والشركات من التعاطي معهم، علما أنّه قد لا يكون لاحد من هؤلاء أرصدة أو أموال أو تجارة في الولايات المتّحدة الاميركيّة. أما تحريك المدمّرة فهو مسألة أخطر بكثير أي أنّها رسالة من عيار أكبر".
ويشير قاطيشا الى أنّ إرسال سفينة عسكريّة لا يعني أنّ "ثمة سفينة واحدة فقط في البحر. كونه يُرافقها عادة ما بين 10 و15 قطعة بحريّة أخرى للحماية والتدخّل واللوجستيّة وغيرها".
وكانت الولايات المتّحدة قد أرسلت في 15/7/1958 قطعا من الاسطول السادس وقامت بإنزال لقوّات المارينز على شاطئ خلدة جنوب بيروت بطلب من الرئيس اللبناني كميل شمعون بهدف وضع حد للثورة. وقد استند رئيس الجمهوريّة وقتها في طلبه إلى مشروع أيزنهاور الذي أعلن عام 1957 والذي هدف إلى مساعدة دول المنطقة في وجه المد الشيوعي، وكانت الحكومة اللبنانيّة قد التزمت به؛ وإلى البيان الثلاثي الذي وقّعته كل من الولايات المتّحدة وفرنسا وبريطانيا عام 1950 وأكّدت فيه على المحافظة على استقرار أوضاع دول المنطقة بحدودها القائمة. ومن بين هذه الدول الثلاثة، وحدها الولايات المتّحدة استجابت طلب الرئيس اللبناني. ونتج من هذه العمليّة خفض حدّة الثورة في وجه شمعون. ونتيجة لتفاهم اميركي مع مصر جمال عبد الناصر، إنتخب المجلس النيابي في 31/7/1958 قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهوريّة خلفا لشمعون الذي انتهت ولايته في 23/9/ 1958.
وفي تحرّك عسكري ثان تجاه لبنان في 19 أيلول 1983، ساندت السفن الحربيّة "يو أس أس فيرجينيا" و"يو أس أس بوين" و"يو أس أس جون رودجرز" و"يو أس أس رادفورد" الجيش اللبناني في صدّه هجوماً كاسحاً ومحورياً على منطقة سوق الغرب. وفي 25 أيلول إنضمّت السفينة الحربيّة "نيو جيرسي" إلى هذه القوّة البحريّة. وفي 14 تشرين الثاني 1983 أطلقت على مواقع سوريّة في ضهر البيدر قذائف من عيار 406 ملم (يوازي حجمها سيّارة فولكسفاكن). تزن الواحدة منها حوالي 1500 كيلوغرام. وفي 8 شباط 1984 أمطرت مواقع عسكريّة سوريّة وميليشيويّة متمركزة في البقاع بحوالي 300 قذيفة.
وفي الاطار نفسه، صبّت مدمّرات فرنسيّة في 22 أيلول 1983 حممها على مرابض مدفعيّة في ضهور الشوير.
_________________
قالوا علاما رافعة الرأس ونشوفك قوية
قلت العفو كلنا بشر بس انا لبنانية
لبنانية تمتلك كل القوة والكرامة
ومن عرفها ما نساها