يا للعار!

موضوع: يا للعار! الإثنين مارس 03, 2008 3:12 pm

سمير منصور (النهار)

كل ما يحدث في العالم، على اي صعيد كان، يتقزّم ويصبح صغيرا وباهتاً وغير ذي معنى امام جثة طفل رضيع قتله الجيش الاسرائيلي في غزة، بل امام جثة طفل في اي بقعة من بقاع الارض. فمنذ ايام تتصدر الصفحات الاولى لعدد كبير من الصحف العربية والدولية ولسائر نشرات الاخبار في كل وسائل الاعلام صور الاطفال الرضع والفتيان الذين يُقتلون بغير ذنب بالاسلحة الفتاكة، يصوّبها على رؤوسهم جنود احد اقوى جيوش العالم تجهيزا وتقنية. وهذه الصور، بما تختصره من وحشية اسرائيلية، تشكل وصمة عار في جبين العالم، تماما كما كانت صور اطفال قتلوا بالسلاح نفسه في لبنان على مر الحروب الاسرائيلية، وآخرها في تموز 2006، كما انها تشكل وصمة عار في جبين الحكام والأنظمة سواء بسواء الذين يحاضرون في العفة او الذين يعطون دروساً في الصمود والتصدي والمقاومة.
هذا الشعب الجبار الرائد في الصمود امام الحديد والنار والمقاوم بلحمه الحي، وحده يحق له ان يحاضر في الآخرين، ولكنه يفعل ولا يحاضر.

وكل طلقة رصاص في اي عاصمة عربية، ابتهاجا او غير ذلك تبدو تافهة امام حجر يرشق به الفتيان الفلسطينيون آليات ومصفحات جيش الغزو في غزة. وكل خلافات الحكام تبدو سخيفة امام جثث الاطفال الرضع الملائكة. وكل القمم، عربية كانت ام اقليمية، مسيحية ام اسلامية، تبدو صغيرة صغيرة اذا لم يكن البند الاول في جداول اعمالها وقف قتل الاطفال في فلسطين، في لبنان والعراق وفي اي بقعة من العالم. وكل منظمات حقوق الانسان وهيئات المجتمع المدني عربية ودولية، تنتفي الحاجة اليها اذا لم تستنفر في كل بقاع الارض لوقف المجزرة: خمسون شهيدا واكثر من 150 جريحاً في مخيم جباليا في غزة امس فقط ومنذ الفجر حتى ما قبل الغروب!
ونحن اللبنانيين الذين عانينا الامرين على مر السنين من الحروب الاسرائيلية وارتداداتها وبعض تجلياتها "بواجهات" متعددة ندرك جيدا عمق الجرح وحجم المعاناة التي تنجم عن قتل الابرياء والحصار وفقدان الماء والدواء في ليالي الرعب المتوحش.

واما الارهاب الذي ينعت به ظلماً بعض العالم "الحر" غالبية الشعوب المقهورة ومعظم حركات التحرر والمقاومة، فهو في الحقيقة في مكان آخر. هناك "مقلع" الارهاب و"منجمه": عند القتلة في جيوش الارهاب المنظم، عند الجيش الذي يحاصر غزة وقبلها حاصر الجنوب اللبناني، وقبله عاصمة لبنان سيدة العواصم العربية. ومعالجة الارهاب تبدأ من هناك، من الغرف السوداء في دوائر "الموساد" واركان الجيش الذي يفاخر اركانه علناً بمخططات تؤدي الى "محرقة اكبر" وعدوا بها امس سكان غزة، ونفذوا ما يشبهها في لبنان.

وبعد كل تلك المجازر من دير ياسين اواخر الاربعينات مرورا بمدرسة بحر البقر في مصر مطلع السبعينات، وصولا الى قانا والمنصوري في لبنان مطلع التسعينات وتكراراً في تموز 2006 واخيرا في جباليا في غزة، لا يزال العالم "الحر" يكيل بمكيالين ويزن بميزانين ولا يرى "ارهاب الدولة" الذي تنتهجه الدولة الاسرائيلية وقد بُنيت على اساسه، فهذا يبدو ارهابا من نوع آخر لا يراه العالم... يا للعار!

وفي "حمى" المدمرة الاميركية "يو. اس. اس. كول" وملحقاتها، لا يزال الجدل "البيزنطي" مستمرا في لبنان حول "السلة" و"الحل المتكامل" و"الثلث الضامن" ويختلفون على وزير بالناقص او بالزائد، ويكابرون ويستمرون في الفراغ، المنظم بدوره، بل يعملون له من حيث يدرون ان لا يدرون – والأرجح أنهم يدرون - وذلك عبر تبادل الشروط والتعقيدات و"تجميد" انتخاب رئيس توافقي، توافقوا عليه رغم اختلافهم على كل شيء، متجاهلين ما يحيط بالبلاد والمنطقة من اخطار، وبأن اعلان وصول "كول" احدى كبرى المدمرات الاميركية، يعني وصول مشروع دمار وتدمير، فهي تختلف عن "كول" المرتبطة باسم احد انواع الحلويات اللبنانية، اذ ان "شكور" ليس اسمها الثاني، بل هي عنوان توتر ومشروع حرب اختبرناها في لبنان مطلع الثمانينات من خلال شقيقتها "نيو جيرسي" التي يعرفها اللبنانيون جيدا، ولاسيما منهم ابناء الجبل والضاحية الجنوبية وبالتأكيد بيروت وشواطئها.

وفي الانتظار، من المهم جدا ترقب نتائج الزيارة "التاريخية" بالفعل للرئيس الايراني محمود احمدي نجد لبغداد اليوم فهي، بأشكال مختلفة تعبر عن حوار اميركي – ايراني، سنكون في لبنان اول المستفيدين من نجاحه